سورا ٢ ليس مجرد فلتر تيك توك، بل نظامٌ قادرٌ على إنشاء صورٍ متحركة وأصوات، بل وحتى إحساسٍ بالواقع من النصوص. لم يعد السؤالُ هل سنشاهد أفلام الذكاء الاصطناعي، بل هل ستصبح حياتنا اليومية أفلامًا تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
كنا نمزح قائلين: "اكتب سيناريو واحلم أن يصوره أحدهم". يرد سورا 2: "لماذا الانتظار؟" يكفي وصف قصير - قل: "أنا على الشاطئ عند غروب الشمس، مع كأس من النبيذ الفوار، بينما تتلألأ السماء بالألعاب النارية" - وسيُخرج الذكاء الاصطناعي فيديو كان من المفترض أن يُصوّره بالأمس طائرة بدون طيار ومصور ومحرر.
هذا أكثر من مجرد حيلة تكنولوجية، إنه تحول ثقافي. لطالما كان الفيديو يتطلب جهدًا ولوجستيات واستثمارًا. أما الآن، فهو سهلٌ ككتابة تغريدة.
تذكرة لفيلمك الخاص
لقد خطت OpenAI خطوةً أبعد: سورا ليس مجرد أداة، بل منصة. إنه نوع من تيك توك الذكاء الاصطناعي، حيث يمكنك الظهور في فيديوهاتك (أو فيديوهات الآخرين) كشخصية. حياتك كضيف شرف. يمكنك أن تلعب دور البطولة في دراما رومانسية، أو فيلم إثارة، أو حتى في رسم تخطيطي ترسمه أثناء ركوب الحافلة.
إن بدا الأمر ممتعًا، فهو كذلك. وإن بدا مُربكًا، فهو كذلك. لأنه في اللحظة التي يستطيع فيها أي شخص إنشاء فيديوهات احترافية، يتلاشى الخط الفاصل بين "المحتوى" و"الواقع".
الواقع في وقت النسخ
كل من يتذكر ماي سبيس أو كاميرات نوكيا الأولى يعلم أننا كنا نعتقد أنه لا يمكن أن يكون الأمر أكثر "واقعية" من هذا. وقد كان كذلك. أولاً HD، ثم 4K، ثم Deepfake، والآن Sora 2. عندما يتمكن الذكاء الاصطناعي من إنشاء مشاهد لم تلتقطها أي كاميرا من قبل، سيتعين علينا أن نصبح مخرجين أفضل لشكوكنا. سيُصبح سؤال "هل هذا حقيقي؟" جزءًا من كل مشاهدة.
العالم كمسرح، ونحن كممثلين
سورا ٢ لا يعني فقط إمكانيات جديدة لصانعي الأفلام والمعلنين والمؤثرين، بل يعني أيضًا أن كل واحد منا يصبح شخصية محتملة في القصص التي نؤلفها. إنها ديمقراطية الإبداع، ولكنها أيضًا شكل جديد من الإرهاق: إذا كان كل شيء يمكن أن يتحول إلى فيلم، فكم من الوقت سيستغرقنا حتى نرغب في شيء حقيقي؟
ربما يكمن المستقبل تحديدًا في هذا: أن أرقى تجربة ستكون مشاهدة العالم غير المحرر، غير المفلتر، وغير المبرمج. وأن أروع صيغة "متميزة" ستكون تحديدًا ما تلتقطه الكاميرا دون مساعدة الذكاء الاصطناعي.
سورا كمشهد اجتماعي جديد
وكأن OpenAI لم تكن الأداة وحدها كافية، فقد أطلقت أيضًا تطبيق Sora، وهو مزيج بين TikTok وورشة عمل المخرجين. للوهلة الأولى، يبدو المحتوى مألوفًا: مقاطع قصيرة، وتمرير لا نهائي، وخوارزميات تتعرف على ما يعجبك. الفرق هو أننا هنا لا نشاهد مقاطع لأشخاص حقيقيين، بل مشاهد ابتكرها البشر بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي. ونعم، يمكنك إضافة نفسك إلى هذه المشاهد - كشخصية، أو ظهور قصير، أو جزء من نفسك مُجسّد رقميًا.
لم يعد الأمر يقتصر على "مشاركة المحتوى"، بل أصبح اللعب بهويتك الخاصة. لو كان تيك توك حلبة رقص، وإنستغرام ألبوم صور، لكانت سورا بمثابة مشهد سينمائي مرتجل، حيث لا تعرف أبدًا من سيكون في المشهد التالي: صديق، أو ذكاء اصطناعي، أو ذاتك المستقبلية. وهنا تكمن المفارقة الكبرى: لطالما روّجت لنا وسائل التواصل الاجتماعي لفكرة الأصالة، لكن الآن، وبكل أصالة، نجد المتعة الحقيقية في عالم خيالي تمامًا.
الخاتمة: سورا 2
سورا ٢ ليس مجرد ابتكار تكنولوجي جديد، بل هو اختبار ثقافي حاسم. يُظهر مدى سرعة فقداننا للثقة بالواقع المرئي، ومدى شوقنا للمشاركة في القصة. لو كان إنستغرام كتالوج حياتنا، لكان سورا مهرجانها السينمائي.
والسؤال الذي يبقى: هل سنكون الممثلين الرئيسيين، المخرجين... أم مجرد متفرجين نسوا متى بدأ الجيل العام؟