نحن نعيش في عصر تنبأ به جيريمي ريفكين منذ عقود في كتابه نهاية العمل (1995): فالتكنولوجيا لا تغير طبيعة العمل فحسب، بل وفي بعض الحالات تقضي تماما على المهن التقليدية. يشهد التسويق، حيث اعتُبر الإبداع ومعالجة البيانات لفترة طويلة مجالاً بشريًا حصريًا، تحولات جذرية - حيث تعمل الذكاء الاصطناعي على طمس الحدود بين العمل البشري والآلي. إذن - الذكاء الاصطناعي ونهاية مهنة التسويق.
نهاية مهنة التسويق؟! باعتباري شخصًا شغل كل الأدوار تقريبًا داخل وكالة تسويق طوال مسيرتي المهنية - من المصمم الإبداعي الحائز على جوائز والمحلل إلى مدير المشروع والمدير الفني لمشاريع تكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي - أرى كيف تتغير الصناعة. وأتوقع أنه بحلول عام 2030، سنشهد اختفاء أو تحولًا جذريًا للعديد من الأدوار التسويقية الرئيسية. ليس لأن التسويق يموت، ولكن لأن الذكاء الاصطناعي يتولى المهام الروتينية والإبداعية بكفاءة لا هوادة فيها. بحلول عام 2030، أكثر من ثلثي وظائف وكالات الإعلان ستكون غير ضرورية!
ولكن لا تقلق - هذه ليست قصة نهاية العالم. هذه قصة التحول.
النبوءة التكنولوجية: من ريفكين إلى يومنا هذا
ريفكين في نهاية العمل وتوقع أن تؤدي الأتمتة إلى القضاء على الوظائف في التصنيع والإدارة والخدمات. واليوم، مع انتشار أدوات واجهة المستخدم مثل ChatGPT، وDALL-E، وGitHub Copilot في أقسام التسويق، أصبحت رؤيته حقيقة.
وعلى نحو مماثل، ألفين توفلر في الموجة الثالثة (1980) وصف التحول إلى مجتمع المعلومات، حيث تعمل التكنولوجيا على تعطيل المهن التقليدية وخلق واقع جديد. إن التسويق على أعتاب هذه "الموجة الثالثة" - بعض المهن سوف تختفي، في حين أن مهن أخرى سوف تتكيف.
مهن التسويق تحت الهجوم: من التالي؟
فيما يلي قائمة بمهن التسويق التي من المرجح أن يمحوها الذكاء الاصطناعي أو يغيرها جذريًا في السنوات الخمس المقبلة. ويستند التحليل على أطروحات رؤيوية حول الأتمتة وأمثلة معاصرة.
1. كاتبو المحتوى (المستوى الأساسي)
لماذا؟ وأشار ريفكين إلى أن المهام المتكررة هي أول ضحايا الأتمتة. أصبحت أدوات واجهة المستخدم مثل ChatGPT تكتب بالفعل الشعارات وأوصاف المنتجات ومنشورات الوسائط الاجتماعية بشكل أسرع وأرخص من الإنسان.
مثال: تدخل الشركة "اكتب وصفًا لساعة ذكية"ويقوم الذكاء الاصطناعي على الفور بإنشاء نص يتناسب مع نغمة العلامة التجارية.
أُطرُوحَة: نيكولاس كار في المياه الضحلة (2010) يقول أن التكنولوجيا تقلل من الحاجة إلى المهارات البشرية حيث يكفي الرداءة.
2. مصممي HTML
لماذا؟ يتم تحقيق فكرة توفلر حول "المستهلكين المحترفين" - المستهلكين الذين يقومون بإنشاء المحتوى الخاص بهم - من خلال منصات تعتمد على واجهة المستخدم مثل Wix و Squarespace، والتي تسمح لك ببناء مواقع الويب دون الحاجة إلى الترميز.
مثال: تقوم واجهة المستخدم بإنشاء الكود والتصميم لصفحة الوصول استنادًا إلى عدد قليل من المعلمات المدخلة.
أُطرُوحَة: تنبأ ريفكين بتحول التصنيع إلى ديمقراطي، مما يقلل الحاجة إلى الأدوار التقنية المتخصصة.
3. مبرمجون لمهام التسويق الروتينية
لماذا؟ تؤكد أدوات مثل GitHub Copilot هذه الأطروحة عصر الآلة الثاني (Brynjolfsson و McAfee، 2014) أن الآلات تتولى المهام التقنية ذات القيمة المضافة المنخفضة.
مثال: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب نصًا لتتبع نقرات الإعلانات، والذي قد يستغرق المبرمج ساعات في كتابته، في دقائق.
أُطرُوحَة: وسوف يقتصر العمل البشري على التفكير المجرد، وليس على البرمجة الروتينية.
4. مديري وسائل التواصل الاجتماعي (المستوى التشغيلي)
لماذا؟ يمكن للذكاء الاصطناعي جدولة المنشورات، وتحليل الأداء، وإنشاء المحتوى، وهو ما يؤكد تنبؤ ريفكين بتقليل الأدوار الإدارية.
مثال: يستخدم Buffer واجهة المستخدم لتحسين أوقات النشر وإنشاء التسميات التوضيحية دون تدخل بشري.
أُطرُوحَة: قال بيتر دراكر: "ما يمكننا قياسه وأتمتته، سنفعله."
5. محللو البيانات (مستوى المبتدئين)
لماذا؟ جون نايسبيت في الاتجاهات الكبرى (1982) تنبأ بأن معالجة البيانات سوف تصبح من اختصاص الآلات. وتؤكد أدوات واجهة المستخدم مثل Google Analytics ذات الذكاء المتكامل هذا.
مثال: يقوم الذكاء الاصطناعي بإنشاء تقرير تلقائيًا عن أداء الحملة ويقترح التعديلات.
أُطرُوحَة: لن تكون هناك حاجة إلى التحليل البشري إلا للحصول على رؤى عميقة، وليس للمعالجة الروتينية.
6. مصممي الجرافيك (المستوى الأساسي)
لماذا؟ وتدعم أدوات مثل DALL-E وCanva رؤية توفلر، حيث تعمل التكنولوجيا على تمكين الإبداع دون الحاجة إلى المهارات التقليدية.
مثال: تعمل واجهة المستخدم على إنشاء إعلان Instagram استنادًا إلى الكلمات الرئيسية - بدون Photoshop أو مصمم.
أُطرُوحَة: لقد أصبح الإبداع متاحًا للجميع، مما يقلل الطلب على الأداء الأساسي.
7. مساعدو العلاقات العامة
لماذا؟ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على أتمتة المهام الروتينية مثل كتابة البيانات الصحفية وإدارة قوائم جهات الاتصال والتحليل الأساسي للتغطية الإعلامية، مما يقلل الحاجة إلى المساعدين البشريين.
مثال: يكتب ChatGPT البيان الصحفي، ويحدد Meltwater باستخدام الذكاء الاصطناعي الصحفيين ذوي الصلة.
أُطرُوحَة: تتحقق هنا رؤية ريفكين لأتمتة المهام الروتينية بشكل كامل.
8. مخططو وسائل الإعلام وخبراء الإعلام
لماذا؟ تعمل منصات الذكاء الاصطناعي مثل Brandwatch على تحليل مدى الوصول والعواطف وتأثير الوسائط في الوقت الفعلي، مما يقلل الحاجة إلى التخطيط اليدوي وخبراء اتجاهات الوسائط.
مثال: يقترح الذكاء الاصطناعي تلقائيًا تخصيص الميزانية الأمثل عبر القنوات استنادًا إلى البيانات. هذا ما تنبأت به شركة META وجوجل أيضًا. إعلان مبسط للغاية.
أُطرُوحَة: تنبؤ نيسبيت حول استبدال معالجة البيانات الآلية للحدس البشري على المستوى التشغيلي.
9. مديرو حملات المؤثرين
لماذا؟ تعمل المنصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تحديد المؤثرين وتحليل جماهيرهم وحتى إنشاء اقتراحات للمشاركة، مما يقلل الحاجة إلى التدخل البشري.
مثال: تعمل أداة الذكاء الاصطناعي مثل Influencer Marketing Hub على العثور تلقائيًا على المؤثرين ذوي الصلة وتحسين الحملة.
أُطرُوحَة: تؤدي "الموجة الثالثة" التي تحدث عنها توفلر إلى ظهور مجتمع تتولى فيه التكنولوجيا إدارة المحتوى والعلاقات.
المخرجون الإبداعيون والرسامون: هل هم استثناء مشرق؟
في حين تختفي الأدوار التشغيلية، يظل المديرون الإبداعيون والرسامون - على الأقل في الوقت الحالي - آمنين. كيفن كيلي في لا مفر منه (2016) يؤكد أن التكنولوجيا لا تستطيع محاكاة الرؤية البشرية والتعاطف. إن المديرين الإبداعيين الذين يصممون حملات شاملة والرسامين الذين ينشئون محتوى فريدًا مشحونًا عاطفيًا يجلبون "روحًا" إلى عملهم لا تستطيع الذكاء الاصطناعي إعادة إنشائها بعد. ولكن ماذا لو تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر، وأصبحت المشاعر أيضًا مشروطة بالذكاء؟ يزعم كثيرون أن هذا ممكن.
ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يدخل بالفعل هذه العمليات كمساعد - حيث يقوم بتوليد مسودات يقوم البشر بتحسينها ببساطة. ويعني هذا أن الذكاء الاصطناعي سوف يلعب دورا متزايد الأهمية في المهن الإبداعية، ولكن القرار النهائي سيظل في أيدي البشر.
خبير تسويق يلتقي بنبي التكنولوجيا
باعتباري شخصًا مر بجميع مراحل التسويق - من الأدوار التشغيلية إلى الأدوار الاستراتيجية - أرى أن الذكاء الاصطناعي بمثابة سيف ذو حدين: فهو من ناحية يدمر الأدوار التقليدية، ومن ناحية أخرى يفتح الباب أمام فرص جديدة. ريفكين في مجتمع التكلفة الهامشية الصفرية (2014) يتنبأ بأن التكنولوجيا سوف تعمل على خفض التكاليف إلى الصفر تقريبًا، مما يزيد من كفاءة الشركات.
بالنسبة للمسوقين، هذا يعني أننا بحاجة إلى تبني الذكاء الاصطناعي كأداة، وليس تهديدًا. أولئك الذين يقودون الآلات، بدلاً من التنافس معها، سوف يبقون على قيد الحياة.
الخلاصة: المستقبل ليس النهاية، بل هو تحول
التسويق لا يعني الوداع، بل هو التحول. إن المهن مثل كاتبي المحتوى الأساسيين، ومصممي HTML، والمبرمجين الروتينيين، ومديري وسائل التواصل الاجتماعي، ومحللي البيانات، ومصممي الجرافيك، ومساعدي العلاقات العامة، ومخططي وسائل الإعلام، ومديري حملات المؤثرين، في طريقها إلى النسيان، كما أكدت أطروحات عمرها عقود من الزمان حول الأتمتة.
ومع ذلك، كما كتب توفلر: "المستقبل ليس شيئًا ينتظرنا، بل هو شيء نصنعه." باعتبارنا متخصصين في التسويق، يتعين علينا أن نترك الأدوار التشغيلية وراءنا ونرتفع إلى مستوى رؤى استراتيجية. الذكاء الاصطناعي ليس عدونا – بل هو شريكنا الجديد.